و يمضي العمر للاديبة و الشاعرة بلوم الزهرة
** ويمضي العمر**
أيام ترحل بعيدة عني...
تأخد معها بعضا مني....
و سنوات مسافرة بلا هوادة ...
تغتال العمر.... و ما تبقى من الحلم و التمني
شاردة أنا في متاهات أيامي الراحلة عني.... و بعض ما تبقى منها..... هو بعضي....
سيرحل لا محالة رغما عني....
الحلم الواحد تلو الآخر مسلوب مني...
عبثا أحاول الركض والغيم وشاح رأسي...
و الصقيع يثقل ممشايا...
أسابق الريح... و ظلى حينا يسابقني.....
و حينا يرافقني...
وحينا يصيبه الوهن فيتخلف عني...
محاولات يائسات تتوالى...
علَّني أسترد بعض حلمي...... وبعض مني...
عبثا أحاول أن أصلب حالي بحالي...
أن أشد أزري...
حينما دوار لعين يعبث برأسي....
شمالا يمينا يلويني يعصرني...يحاول كسري
و مرات يقبرني بأدنى نقطة بقعر الضياع...
ينفيني خارج مداري.....إلى أقصى الثلث الخالي من أرض اليأس....
تطوقني أفاعي الوحدة....
وحوش الحسرة تغرز أنيابها بجسمي النحيل.. تخترقه ....
تنخر قلبي... تمزق أحشائي على مرأى مني...
و قطيع الوسواس كالدود يجتاح كل ضفافي..
وينفد من كل المسام ...من كل الثقوب إلى الدماغ.... إلى القلب و الأحشاء....
نيران مشتعلة برأسي...تحرق بنات أفكاري أشرد... واشرد ولا أجد نفسي....
شيطان مارد يعبث ببنات قلبي على مرأى مني..
فيركلني اليأس... يوقعني بكهف الحزن...
أحاول التشبث بخيوط من دخان...
بأطراف شعاع يزاورني على فوهة الكهف...
أتعلق بنهايات جدائل حلم من أحلامي نسجتها يوما.... علَّها تكون منقدي
شغف تدوين كل ما يجري كذبيب النمل يسري بسري....
عبثا أحاول الإمساك بقلمي...
لأدون خيباتي و قهري...
أدونها سطرا سطرا... علَّها تكون سُلَّم نجاتي ينقذني من دحري ويفك ضيق صدري....
لكن وخيبتاه...
حتى السطور تموت و تفنى...
تحت زخات مطر فجائي.... يباغتني بين الفينة و الأخرى
و أنا أعبر ممر الحياة من زقاق إلى زقاق..
أنسلخ من ضباب الواقع المر.... و أتقيأ زيفه و قذارته تقززا ..
و أقفز من رصيف إلى رصيف...
كَقطة شريدة تبتلعها الشوارع بعد منتصف الليل... تموج مفزوعة....
والمواء يمزق السكون...
أركض ركضا مجنونا...
متأبطة بعض ما تبقى من أحلامي... و
الأمل رفيقي يشد أزري...
و التحدي قريني.... يسكن بداخلي...
يحثني دوما و لا يخونني
يُوَّلِدُ حركة بجسدي الواهن... يوقد الشموع
بقلبي المثقوب كغربال...
وبيميني قلمي كسيف يذود عني....
و زندى دفتر...أدون به قهري
ومن رموشي المخضبة بالكحل....
تنسل فرشاة ترسم جداريات حزينة على محياي..
على صدري... تروي قصة كفاحي ومعاناتي..
وبشمالي كفني.. ينتظر نقطة آخر السطر..
آخر نقطة حبر...
لمعاناتي....ينتظر خاتمة العمر....
نزف قلمي حبره دمي...
المطر مجنون الهطول...
الحروف تجرفها السيول...
واحلامي الصغيرة تفلت مني...
تسقط بعيدا عني...
تختلط بالطين...
فتغيب ملامحها وينطفئ بريقها...
وتذوب بصْمَتِي على خيوطها ساعة الغزل....
أقف في حيرة شاردة الذهن....
و عيناي مرشوقتان بصغاري...
بفلذات الروح و القلب....
أحلامي وهي تنأى عنى..
كيف لي أن أستردها إلى أحضاني...
كيف أسترد للحياة نبض قلبي... و للأمل إيماني وطموحي بأن القادم أفضل....
وأنه آتٍ...
كيف استرد سطوري وهي تذوب أمام ناظري...
حروفي شهود نزفي...
المخضبة بلون دمي المتدفق من شرياني...
المتكرر ثقبه بكل محطات العمر...
بعد لحظة توق و تمنى...
بعد جَلْدِي مرات و مرات على خيباتي...
فالخيبة ذنبي..
لا يتوقف نتح جلدي من كل المسام
... ترتسم سبخات مشبعة بشذرات ملحي...
المترسبة على جِلْدِي...لا عمري رأيتها أزهرت بعمري
و أنا أركض و أركض بلا هوادة في ملاحقة أحلامي المسروقة مني في جنح الظلام...
والموؤودة في وضح النهار...
صوت الألم صارخ بأعماقي يتدفق مع نبضي.... يدمدم كالرعد في غطرسة.....
يقرع بحدة كالناقوس على طبل أذناي....
يدق كالنقرس بالعظام...
وريح تهب بلا رحمة تلويني...تعصرني.....
تزداد معاناتي فيولد الإصرار....
يقول لي هبي يا زهرة البراري هبي...
لا تتوانى... و لا تذلي...و لا تنكسري...
اركضي كنسمة باردة تخترق الجسد كالسهام
أركضي كفرس جموح... واركضي ولا تتوقفي
تذكري كم استدام عراك الإعصار....
ورياح الزمان...
كم قاومت و أنتصرت.
على كل جرف السيول...
هبِّي لا تتخاذلي في استرداد أحلامك...
أركضي يا زهرة الحياة.... يا زهرة التحدي...
يجن جنون صغيرتي بداخلي..
فأهب كقطة مسعورة اخرمش كل من حولي
أواصل الذود عن أحلامي...و عنِّي
يبللني المطر...
أصير كديك رومي تلطمني رياح باردة كأنها تقضم لحمي طاغية لا ترحم كحكام بلادي...
أفكار بائسة تجوب شوارع فكري...
ككلاب متشردة تجتاح المدينة بالليل....
أركض و أركض علِّي اقهر البرد... والريح... و المطر....
و أصل إلى أخر ذاك الشارع الطويل الممتد
بحينا على مد البصر إلى أطراف المدينة....
علِّي أجد هناك حلما من أحلامي المسروقة مني...
وقع منهم سهوا فألتقطه....
أو ألحق بأحدهم أصابه الوهن من كثرة الركض... انقض عليه.... أغرز أضافري في جسده أمزق جلده حد تشوه ملامحه... حد النزف.... وأفتَكُ منه حلما ما...و بعض مني
و أعود أدراجي إلى زنزانتي المترفة بالوحشة و السكون.... ولا آبه بما يجري خارج مداري و من حولي....وأمارس طقوسي مع أحلامي لأجل الحياة...وأوقد شموع الأمل بكل دهاليزي و مغاوري البعيدة...
حتى لو كانت الشموع وهما...
أراها ولا تراني...
اتحسس نارها يلسع صدري...حتى لو كانت بردا و سلاما....
وابصر بعيون قلبي وروحي و وجداني
نور أحلام يشع نبراسا بكل ركن...
بكل أروقة العمر المتبقي
مغروسة بثقوب قلبي
حتى لو مجرد وهم
أوقده بآخر الليل لأنعش حلمي....
بلُّوم الزهرة(زهرة روسيكادا) .... الجزائر
Commentaires
Enregistrer un commentaire